- ندوات إذاعية
- /
- ٠10برنامج فاسألوا أهل الذكر - إذاعة القدس
مقدمة :
الأستاذ محمد:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أهلاً بكم أيها الأخوة والأحبة إلى هذا اللقاء الإيماني الروحي الكريم الذي نلتقي فيه مع عالمٍ عرفناه عالماً، ومعلماً، ومرشداً، وأستاذاً مربياً، نلتقي فيه حول هموم الأسرة المسلمة، ومسؤوليتها في بناء جيل الجهاد والمقاومة، نلتقي مع فضيلة العلّامة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي، أهلاً بكم فضيلة الشيخ.
فضيلة الدكتور بالطبع لقاؤنا معكم يتجدد، وتجربتكم في التربية طبعاً من المعلوم أن الأستاذ الدكتور راتب هو دكتور في التربية، وزيادة على المنصب الأكاديمي هو أيضاً صاحب خبرة، وتجربة طويلة في بناء الجيل، ونحن الآن في أيام مواجهة، دكتور من الواضح أن عدونا يستفيد من كل نقاط الضعف، ولعل أكبر نقط الضعف هي الفلتان التربوي الذي تمارسه أحياناً فضائيات عربية، وأحياناً تمارسه حركات اجتماعية، وأحياناً تمارسه أسواق سائبة، هذا الفلتان التربوي مشكلة، حتى في موقعنا كمواجهة عندما نكون في هذه الأيام الدقيقة والصعبة في حياتنا، دكتور راتب من أين نبدأ؟ وكيف يمكن بناء الأسرة المسلمة تربية مثالية؟
قبل أن نتحدث أحبّ أن أقول: إننا سنفتح هذه الحلقة على الهواء مباشرة، وبإمكان الأخوة المستمعين الاتصال بنا على الرقم: 4465564 بإمكانكم الاتصال والمداخلة ضمن محور هذه الحلقة التي نتحدث فيها عن التربية.
آيات الله كونية وتكوينية وقرآنية :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
جزاكم الله خيراً أيها الدكتور الكريم على هذه الندوات، لعل الله سبحانه وتعالى ينفع بها المسلمين.
لا بد من مقدمة؛ الله عز وجل جعل آيات دالة على عظمته؛ آياته أنواع ثلاثة: آيات كونية، آيات تكوينية، آيات قرآنية، آياته الكونية أي خلقه:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
هذه من للتبعيض، والسموات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون يطول الحديث عنه، أي بعض المجرات المكتشفة حديثاً تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، مع أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، بعض النجوم في بعض الأبراج تتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، الشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، وبينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾
مساواة الرجل للمرأة في التكليف والتشريف والمسؤولية ولكن الخصائص متباينة :
الآن ندقق:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
هذه الآية دقيقة جداً، ولها تفصيل رائع، فمن آياته الدالة على عظمته كما أن الكون من آياته، كما أن الشمس والقمر من آياته، كما أن الليل والنهار من آياته، ومن آياته أيضاً
﴿ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
المرأة إنسان لها مشاعر، لها فكر، لها تطلعات، تشعر بما يشعر الرجل، تتألم لما يتألم، تحب ما يحب، إنسان بكل ما في هذه الكلمة من معنى، لذلك الإسلام جاء ليبين أن المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف، مكلفة بأركان الإيمان وأركان الإسلام كما هو مكلف، مشرفة كما هو مشرف، مسؤولة كما هو مسؤول، المساواة التامة في التكليف والتشريف والمسؤولية، ومن هذا المنطلق يقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ﴾
مع أن أسلوب القرآن الكريم في آيات كثيرة يشير إلى أن الله عز وجل حينما يخاطب المؤمنين ذكوراً يعني بهم الإناث، فأية آية تتجه إلى المؤمنين هي موجهة حكماً إلى الإناث، ولكن في بعض هذه الآيات أراد الله أن يبين أن المرأة متساوية تماماً مع الرجل في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية، ولكن لأن الله عز وجل يقول في آية أخرى:
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾
أي أن خصائص المرأة العقلية والنفسية والاجتماعية والجسمية هي أكمل شيء للمهمة التي أنيطت بها، وأن خصائص الرجل العقلية والجسمية والنفسية والاجتماعية هي أكمل شيء للمهمة التي أنيطت به، إنهما متكاملان، وحينما ننطلق من أن المرأة كالرجل تماماً في الخصائص اختلطت الأوراق، وعمّ الفساد في الأرض، المساواة شيء وأن تكون الخصائص متساوية شيء آخر، المساواة في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية، ولكن الخصائص متباينة، إن كل خصيصة أكرم الله المرأة بها هي تناسب مهمتها في الحياة، هذه مقدمة.
النقطة الثانية في الآية:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾
السكنى علتها أن كل طرف يكمل نقصه في الطرف الآخر، فيحس الرجل بنقص عاطفي يكمله بزوجته فهي متأججة عاطفياً، تحس المرأة بنقص قيادي تكمله في زوجها فهو متألق قيادياً، هكذا الأصل، هذا لا يمنع أن تكون المرأة أقوى شخصية من الرجل، هذه حالات ليست هي الأصل، الحديث هنا عن طبيعة المرأة بشكل عام، وعن طبيعة الرجل بشكل عام، أما هناك تفصيلات فهذه لها ندوة أخرى إن شاء الله.
﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾
المودة و الرحمة بين الزوجين :
أما الذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
هذه المودة من خلق الله عز وجل.
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
فأي زوجين ليس بينهما مودة ورحمة إنها حالة مرضية تقتضي المعالجة، الأصل أن الله سبحانه وتعالى خلق المودة والرحمة بين الزوجين.
للعلماء وقفة متأنية حول الفرق بين المودة والرحمة، ذلك لأن اختلاف المبنى يعني اختلاف المعنى.
الأستاذ محمد:
الفارق بين المودة والرحمة، إذاً الآية واضحة وهي:
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
في الواقع اجتماع المودة والرحمة يكون منه الحب، لكن ما هو سبب تفريق الكلمتين؟
الفرق الدقيق بين المودة و الرحمة :
الدكتور راتب :
الفرق الدقيق أن الود هو سلوك يعبر به عن الحب، فالابتسامة ود أساسها الحب، تقديم الهدية ود أساسه الحب، الملاطفة ود أساسها الحب، الحب شعور داخلي يعبر عنه بالود، بكلمة طيبة، بابتسامة، بمؤانسة إلخ...
لكن الرحمة شيء آخر، ما دامت الزوجة في طموح زوجها، وما دامت مصلحة الزوج محققة عند زوجته، وما دام الزوج في طموح الزوجة، وما دامت مصلحتها محققة عند زوجها فهناك حب، وهناك مصلحة محققة، وهناك ود، والزواج حقق أهدافه، لأنها انتسبت إلى زوج قوي، غني، لطيف، يحبها ويكرمها ويرحمها، وهو كذلك وجد امرأة تؤنسه، تناسبه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في ماله وفي نفسها.
لكن أحياناً لله عز وجل في خلقه شؤون، الله عز وجل يؤدب، ويمتحن، ويبتلي، فقد يبتلى الزوج بالفقر الشديد، كم من امرأة تعمل عملاً شاقاً من أجل أن تطعم زوجها، إنها هنا تنطلق من رحمتها لزوجها- هذا مقام الرحمة- وكم من زوج أصاب امرأته مرض عضال فلم تعد زوجة بمستوى طموحه لكنه يرحمها، كأن هذه المؤسسة باركها الله عز وجل أسست لتبقى، عوامل بقائها الحب والمودة، وعوامل بقائها أيضاً الرحمة.
الأستاذ محمد:
إذاً تفصيل المولى سبحانه وتعالى هنا دقيق جداً عندما قال:
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
فهذا هو الحال الذي نطمح إليه، أن تكون المودة بين الزوجين، لكن إن لم تحصل المودة لسبب أو لآخر لقدر قدره الله عز وجل فلا يجب أن تتهدم البيوت كما قال عمر بن الخطاب: أو كل البيوت تبنى على الحب؟ لا بد من الرحمة إذا كانت الحب غير موجود فالرحمة جعلها الله عز وجل بين الزوجين.
سؤال :
أمها صلت استخارة فرأت هذه الرؤيا فهل الاستخارة متعلقة بالأحلام؟
تعلق الاستخارة بالتيسير فقط :
الدكتور راتب :
والله السنة الشريفة أن الاستخارة جوابها ليس حلماً، ولا فتح مصحف، ولا آية تقرؤها صدفة، ولا انقباضاً، ولا انشراحاً، جواب الاستخارة تيسير هذا الأمر، هذا هو الجواب، وأي شيء آخر خلاف للسنة.
الأستاذ محمد:
أي هذا البيان العيني الذي ينبغي أن يعلمه كل مسلم، نحن نعاني في وعينا الإسلامي دائماً من حالة الاستسلام للأوهام، الاستخارة حالة من الدعاء، نطلب من الله عز وجل التيسير، فإذا تيسر الأمر فهذه استخارته ونتيجته، وإن لم يتيسر؟
الدكتور راتب :
أصل النص: " اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإن تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنيايا وعاقبة أمري فيسره لي " إذاً الجواب هو التيسير فقط، مادام الطريق سالكاً فالاستخارة ميسرة.
يوجد بدعة أخرى أنا أريد أن أنبه إليها؛ هناك من يقول لفلانة: استخيري لي، ليس بين العبد وربه حجاب إطلاقاً، الاستخارة تؤدى مباشرة من صاحبها، أما أن نوكل إنساناً أن يستخير لي فهذا ليس له أصل في السنة إطلاقاً.
الأستاذ محمد:
إذاً الاستخارة هي دعاء كالصلاة، أنت الذي ينبغي أن تصلي وليس من المطلوب أن تكلف آخر بالصلاة.
سؤال :
عندي أخت متزوجة وزوجها يخونها، ويفعل أمور لا تحكى والآن يريد الرجوع لها، ماذا نفعل إذا أردنا أن نصلي صلاة الاستخارة وقال: انتهى أنا تبت وأصبحت أحسن من كل العالم؟
الاستخارة في الأشياء المباحة فقط :
الدكتور راتب :
الحقيقة ليس هناك استخارة فيما هو فرض، ولا فيما هو سنة، ولا فيما هو مستحب، أما هناك أشياء مباحة؛ وقع الإنسان في حيرة في موضوع زواج، في موضوع سفر، في موضوع وظيفة، أما بالصلاة لا يوجد استخارة، لا يوجد استخارة أن تعود الزوجة لزوجها، هذا شيء يقرره الشرع ويدعو إليه، فالأشياء الدقيقة التي أمر بها الشرع، وحضّ عليها، ودعا إليها، وباركها، هذه لا تحتاج إلى استخارة، أنا لا أستخير ربي في بر والدتي، لا أستخير ربي في أن أقوم بعملي بشكل متقن، هذه أشياء واجبات ومستحبات ينبغي أن تؤدى من دون استخارة، ما دام هناك زواج سابقاً والزوج أخطأ ثم عاد وتاب فالأصل أن نعود إليه، وأن نفتح معه صفحة جديدة، هذا هو الأصل، وهذا الموضوع لا يحتاج إلى استخارة.
الأستاذ محمد:
دكتور دعنا نعود إلى المحور الذي كنا نتحدث فيه بأن البيوت تتأسس على الود هذا هو الطموح، ولكن عندما لا تستمر الحياة بالود فإنها يمكن أن تستمر بالرحمة.
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
.
ضرورة بناء الزواج على طاعة الله :
الدكتور راتب :
أذكر لكم إحصاء ذكره لي أحد قضاة دمشق الشرعيين، قال: مئة زواج في بلاد الغرب يؤول 62 % منها إلى الطلاق في أقل من سنتين، وفي بلاد أخرى 35 %، سألته عن بلدنا الطيب قال: خمسة عشر بالألف، وأنا أعزو هذه النسبة المتدنية في الطلاق إلى أن الزوجين يحرصان على أن يكون هذا الزواج مستمراً، بالمناسبة يوجد الزواج الإسلامي شيء رائع جداً هو أن الله بين الزوجين، أي كل طرف يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، وكل طرف يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر، والزاوج الذي يبنى على طاعة الله، الله في عليائه يوفق بين الزوجين، أما إذا بني الزواج على معصية الله فيتولى الشيطان التفريق بينهما، وكأن قول النبي عليه الصلاة والسلام وهذا القول ينطبق على الزوجين أشدّ الانطباق:
((ما تواد اثنان ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ))
فلو تصورنا أن زوجاً مطيعاً لله، وزوجة كذلك، يخلق الله بينهما الود والرحمة، فإذا العلاقة بينهما في أعلى مستوى، لأن كل منهما يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، الحقيقة العلاقة بين الطرفين بعيداً عن الدين علاقة قوي بضعيف، فالأقوى يستغل الأضعف، لكن في جو الدين علاقة حق ومودة ورحمة.
أذكر أنني قرأت كتاباً لعالم في الرياضيات كبير هداه الله إلى الإسلام، جفري لنك، و هذا كان ملحداً في الأصل، فلما هداه الله للإسلام ألّف كتاباً عن سبب إسلامه، لفت نظري في كتابه أنه حينما تزوج قبل أن يسلم اتفق مع زوجته أن يبقيان معاً ما دام لم يتح لأحدهما أو لكل منها فرصة أفضل، والله شيء جميل، إذاً الزواج مشروط حتى تأتي فرصة أفضل، لمجرد أن تأتي فرصة أفضل للزوج أن يدع زوجته.
الأستاذ محمد:
اسمح لنا دكتور أن نتوقف مع عناوين للأخبار ونعود الحديث عن جفري لنك، وكتابه حتى الملائكة تسأل بعد موجز الأنباء من الأرض المقدسة.
أهلاً بكم أيها الأحبة مرة أخرى معنا مرة أخرى فضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي، العالم والداعية المعروف، طبعاً فضيلة الدكتور كانت نشرة الأخبار واستمعنا إليها مبعث أمل عندما نرى أن أبطالنا وأطفالنا وأبناءنا وإخواننا في الأرض المقدسة نالوا حظهم من التربية، وهاهم الآن يقدمون الدليل تلو الدليل أن الدنيا لا تعدل شيئاً عند الله، وأن الآخرة هي دار القرار، ويتقدمون إلى الموت من أجل أن تبقى فلسطين حرة وأبية.
دكتور راتب كنت تتحدث عن التربية في الحياة الأسرية وأشرت تماماً أن الحياة يجب أن تبدأ بالمحبة، وإذا توقفت المحبة لسبب فيمكن أن تكون الرحمة
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
قانون الخلع الذي أجازت به الشريعة للمرأة الخلاص كيف يمكن أن نقارن به في مسألة الود والرحمة؟
الخلع :
الدكتور راتب :
حينما تكره امرأة على زوج لا تريده كما جاءت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام قالت له: إني أكره الكفر بعد الإيمان، فقال: لو تراجعيه؟ قالت: أفتأمرني؟! قال: لا، دقق لم يجعل النبي مكانته الدينية في شأن شخصي، قال: لا، إنما أنا شفيع، قالت: أكره الكفر بعد الإيمان، أي لا تحبه، وللمرأة شخصيتها، ولها كرامتها، ولها رغبتها، لذلك لا ينعقد عقد الزواج أصلاً إن لم توافق المرأة على زوجها، فإذا أصرت على تركه، قال: ردي له الحديقة، وطلقها تطليقة، هذا هو شأن الخلع، أي كما أن الزوج يستطيع أن ينهي هذه العلاقة بالطلاق، المرأة أيضاً تستطيع أن تنهي هذه العلاقة بطلب الخلع مع موافقة الزوج وموافقة القاضي.
المقصد التربوي في بناء الجيل :
الأستاذ نبيل :
سيدي الكريم طالما نحن بين يدي مجال التربية، فإن تكلمت فأصبت فلي أجران، وإن تكلمت فأخطأت فلي أجر في مشاركتي على بديهتي وسليقتي، ولكن أي من الأجرين فلفضيلة الدكتور راتب في مجال التربية نصيب منهما في صحائفه إن شاء الله لأني تلميذك.
سيدي الكريم؛ أنا أتكلم الآن عن مجال التربية إن شاء الله، نحن أمة يفرض عليها الآن من الخارج سواء من الكيان الصهيوني في أرضنا المحتلة، أو سواء من أخوتنا في العراق، يفرض علينا التجهيل، أمريكا تطالب ثلاثة آلاف عالم في فلسطين المحتلة أن يغلقوا المدارس، ويخرجوا منها، وهم طلاب صغار كي لا يستطيعوا الدخول في سن مبكرة إلى المدارس، فيدخلوا في سن متأخرة، من الممكن ألا يستوعبوا الدراسة، هذا أمر تفرضه علينا قوى الكفر والطغيان، نحن هنا في بلاد تنعم بالأمان قليلاً إن شاء الله، يجب علينا أن ننتبه إلى تربية أجيالنا، فمن منا يربي أبناءه تربية جهادية الآن؟ نحن نلتفت إلى مصالحهم الدنيوية، نريد لأبنائنا أفضل المناصب، وأكثر المادة، وأكثر الدنيا، وتركنا الآخرة، نحن لا نعتني بأبنائنا بتربية جهادية نفسية وأخروية تنفعهم في آخرتهم، تتراجع الأمة من أجيالها القادمة، من أجيال المستقبل، لماذا نسينا هذه التربية في بيتنا؟ ولكم جزيل الشكر إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ محمد:
شكراً أستاذ محمد نبيل، شكراً لك عند تفسير مشكلة حقيقية حول المقصد التربوي في بناء الجيل.
العبادة الأولى في مواجهة الطغاة :
الدكتور راتب :
جزاك الله خيراً أستاذ نبيل، الحقيقة أن الطرف الآخر هدفه الأول الإفقار والإضلال والإفساد والإذلال، وأنا أرى أن العبادة الأولى في مواجهة هذا الطرف الطاغية كسب المال الحلال لحلّ مشكلات المسلمين رداً على الإفقار، وترسيخ معالم الدين رداً على الإضلال، وتأسيس مناشط إسلامية تستقطب الصغار رداً على الإفساد، وأن نواجهه ونتحداه رداً على الإذلال.
﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾
والمعلوم أيها الأخ الكريم أن أولادنا - وهذه حقيقة صارخة قاطعة - هم الورقة الرابحة الوحيدة التي بقيت في أيدينا، إن أولادنا يعنون المستقبل، إن أردنا لهذه الأمة مستقبلاً فلنربِّ أولادنا، لكن الذي يحصل أن طرفاً ملحداً فرضاً وطرفاً إباحياً يتوليان تربية أولادنا إذا تركناهما للشاشة والفضائيات، العقيدة إلحاد، السلوك إباحي.
فحينما نترك أولادنا لأعدائنا يربونهم كما يشاؤون، والحقيقة الطرف الآخر لا يراهن علينا يراهن على أولادنا، والنقطة الدقيقة الدقيقة جداً أن كل أب وأم يسعيان للحفاظ على صحة أولادهما، وعلى تحصيل أولادهما العلمي الدنيوي، وعلى رفاههم، أنا أرى أن محبة الأبناء مركب في أصل طبع الإنسان، كما أنه لا يعقل أن يصدر قانون بإلزام المواطنين بتناول الطعام لأن هذا مركب في أصل طبعهم، لذلك شيء طبيعي جداً أن كل أم مؤمنة غير مؤمنة، ملتزمة غير ملتزمة، منضبطة غير منضبطة تحب ابنها، لكن متى نكون مأجورين على تربية أولادنا؟ إذا ربيناهم تربية إيمانية، وربيناهم تربية أخلاقية، وربيناهم تربية علمية، وربيناهم تربية جمالية إسلامية، الحقيقة هذا الذي تفضلت به هو مشكلة المسلمين الأولى، أقول هذه الكلمة قلتها في بلد بعيد بمؤتمر: لو بلغت أعلى منصب في الأرض، ولو جمعت أكبر ثروة في الأرض، ولو بلغت أعلى مكانة علمية في الأرض، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، كيف قال الله عز وجل:
﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا﴾
من؟ قال تعالى:
﴿مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾
بحسب السياق اللغوي تشقيا، لكن القرآن فيه إعجاز، إعجازه في إيجازه، شقاء الرجل شقاء حكمي لزوجته، ويقاس على ذلك شقاء الأولاد شقاء حكمي للأب والأم معاً، فحينما ترى ابنك صالحاً ملتزماً مقبلاً على الله، منضبطاً بالشرع، يدخل إلى قلبك من السعادة ما لا يوصف، وقد عجل الله للوالدين مكافأة تربية أولادهما في الدنيا قبل الآخرة، ورد هذا في بعض أدعية القرآن:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
السعادة التي تغمر قلب الأب حينما يرى ابنه صالحاً لا توصف، لذلك الآن الآباء حينما يرون أولادهم متفلتين ضائعين شاردين عن منهج الله يشعرون بانقباض ما بعده انقباض إذا كان فيهم بقية إحساس.
الأستاذ محمد:
لو سمحتم فضيلة الدكتور أيضاً لدينا اتصال.
أبيات في الأدب من باب النصح :
سؤال:
هناك أبيات من الشعر آمل أن تفي بالغرض، وتكون مناسبة وهدية في هذا المقام، وهذه الأبيات معروفة في الأدب، ولكن من باب النصح أغلى ما يباع ويوهب، فإذا سمحتم لي، يقول الشاعر العربي:
إنـما المـرأة مـرآة بــهــــــــــا كل ما تبصره منك ولـــك
فهي شيطان إذا أفسدتها وإذا أصلحتها فهي ملك
***
والهدية الأخرى:
ليـس اليتيم من انتهى أبواه من همّ الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم الذي تلقى له أماً تخــــلت أو أبــــــــاً مشــغـــــولاً
وإذا النساء نشأن في أمية رضع الرجال جهالة وخمولاً
***
أرجو الله أن تكون هذه الأبيات بمثابة هدية لكل من يستمع لهذا البرنامج.
سؤال:
أسأل الدكتور محمد راتب النابلسي بارك الله فيكم، هذا السؤال يفيد الأطباء ويفيد الناس، ولطالما شغل فكري، هل الأخلاق تتوارث؟ ولكم جزيل الامتنان.
الأستاذ محمد:
الأخ الدكتور زكريا الغزالي من الطامحين يجمع بين الطب وبين المعرفة الأدبية باللغة العربية، وأشار إلى هذه الأبيات في التربية والإعداد تعليقك دكتور راتب.
الأخلاق تستمر من الآباء للأبناء على سبيل التلقين والتعليم والإرشاد :
الدكتور راتب :
الحقيقة أولاً على سؤال الدكتور هل الأخلاق تورث؟ الله عز وجل حينما أثنى عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحقيقة سيد الخلق، وحبيب الحق، هو القائد، هو الزعيم، هو السياسي البارع، هو الزوج، كل صفات الكمال مجتمعة في هذا الإنسان الذي اصطفاه الله، لكن حينما أثني عليه أثني عليه بخلقه فقط، قال:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
لأن الخلق بشكل موجز يعني الضبط، والضبط شيء كسبي، فالإنسان حينما يكون أخلاقياً من لوازم أخلاقه أن يربي ابنه على القيم الأخلاقية، فالأخلاق لا تورث بالمعنى المادي ولكن الأب الأخلاقي من شأنه أن يربي ابنه على قيم الأخلاق، إذاً يمكن أن تكون الأخلاق مستمرة في الأبناء كما كانت في الآباء، لا على سبيل الوراثة بل على سبيل التلقين والتعليم والإرشاد والتوجيه.
الدعوة إلى تكرار الندوات الدينية من أجل تثقيف الأمة :
مداخلة:
لا يسعنا إلا أن نشكر الله، وندعو الله لكم بالقوة والصحة ونور القلب، حتى تنير لنا طرق الخير وطرق الفلاح والنجاح، وإن كانت لي مداخلة، أرجو الله أن تكون خالصة لوجه الله، هذه الندوات يجب أن تتكرر، ويجب أن يسمح بها في الأسبوع مرة أو مرتين أو ثلاث لأن الأمة مفتقرة، والأمة بحاجة ماسة إلى أن تسمع العلماء، وتنفذ ما يريدون، لأنهم يقولون: قال الله سبحانه، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فعندما نسمع العلماء نستبشر بالخير، ونأمل من الله أن نسير على ما يوجهون الأمة له وبه، حتى نستطيع أن نكون قاهرين لما يحيط بنا من أعداء، لأن هناك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة ))
فنحن نرجو أن تتكرر هذه الندوات، ولو رفع الأمر للمسؤولين لرحبوا بهذه الفكرة، انطلاقاً من كتاب الله:
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
فعلينا أن نستمع لأصحاب الفضيلة أمثالكم أمثال الدكتور محمد راتب، وأمثال الدكتور محمد حبش، وجزاكم الله عنا خير جزاء، أكرر أرجو الله أن تتكرر هذه الندوات من أجل تثقيف الأمة، وأنتم تعلمون أن الأمة بحاجة إلى تثقيف، فلا تؤاخذوني إن أطلت، ولكني أرجو الله أن تكون هذه المداخلة خالصة لوجه الله، جزاكم الله عني خير الجزاء.
الأستاذ محمد:
شكراً أستاذنا محمود الحلقي، شكراً جزيلاً لك، وشكراً للأخوة في جنوبي سورية جزاهم الله خيراً لمداخلاتهم، نتوقف الآن عن تلقي الاتصالات ونعود إلى فضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي ليضيء لنا هذه المعاني.
أمور هامة لصون الأسرة من الضياع وتحقيق مقاصد الشريعة من الزواج :
الدكتور راتب :
آية أخرى دكتور محمد جزاك الله خيراً، قال تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
من أروع من قرأت في تفسير هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، ولكن أن تحتمل الأذى منها، أي الصبر والحلم بين الزوجين مطلوب، صوناً لهذه الأسرة من الضياع، وتحقيقاً لمقاصد الشريعة من الزواج.
شيء آخر الله عز وجل حينما قال:
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾
بعض الجهلاء يفهم هذه الآية فهماً ما أراده الله أبداً، يفهم القوامة تسلطاً، يفهمها تسلطاً وعنجهية، وكبراً وقمعاً، الحقيقة أن القوّام صيغة مبالغة لقائم، والقائم يعني رجل يسعى جهده لتأمين حاجات الأسرة، والعناية بأفرادها، وتربيتهم، هو مسؤول عنهم، أي هو أثقل أعضاء الأسرة حملاً، ليس أفضل من أحد ولكنه أثقلهم حملاً، هذا معنى قوامون، إذاً القوامة كما يعبر دائماً منزلة تكليف وليست تشريفاً، فلأن الرجل حباه الله في الأصل بقوة في اتخاذ القرار، وبرؤية بعيدة، وبإدراك لمعطيات الأمور الدقيقة في المجتمع سلمه القيادة، ينبغي أن يكون أهلاً لها، وحينما قال الله عز وجل:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾
بعضهم يفهم هذه الدرجة بالتعبير العسكري بين لواء ومجند، لا، بين عميد ولواء فقط، درجة واحدة، هي درجة القيادة، وما من مؤسسة في الأرض إلا وتحتاج إلى قائد واحد صاحب قرار إنه الزوج، في الأمور الخطيرة المصيرية القرار قرار الزوج، أما إذا دخل الزوج إلى بيته فهو واحد من أسرته، كان عليه الصلاة والسلام يقول:
((أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم- ولهذا الحديث زيادة - يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً))
وحينما توجه النبي عليه الصلاة والسلام إلى المرأة قال:
(( انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله - أي يعدل الجهاد في سبيل الله - ))
وذكرتم مرةً جزاكم الله خيراً أن من أفضل النعم على الرجل أن يرزقه الله حب زوجته، الأعمال الفنية كلها تشير إلى أن الحب لا في المنهج القويم في المنهج المنحرف، بينما المؤمن يحب زوجته، وهذه من نعم الله الكبرى عليه.
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
الأستاذ محمد:
من المؤسف أن الإعلام يتورط دائماً في رسم صورة تمجد الحب في فراش الحرام ولا تشير إليه ولا تذكره على فراش الحلال، هذا موقف يتورط فيه الإعلام، وهو في الواقع منهج معادٍ للفطرة السليمة، وهدّام للأسرة، إن الحب ينبغي أن ينشأ في فراش الحلال، وللأسف دائماً نشاهد مسلسلات نشاهد مناظر، دائماً عندما تكون العلاقة بين الزوجين في إطار الحياة الزوجية تجد الغضب والشقاق والنفاق، فإذا ما تسلل الزوج وذهب إلى الغرف الحمراء، وإلى الموائد خافتة الأضواء، تجد هناك تدفق الحنان والدفء والحب، تجده صار شاعراً، وقبل قليل كان طيخاً أو طباخاً، لهذا المعنى أنا أقول: إن ما نريد أن نتحدث عنه جزاكم الله خيراً هو إعادة إحياء حالة الود التي ينبغي أن تنشأ في الأسرة المسلمة وهذا موقف ومنطق تربوي تتأسس من خلاله الأسرة.
إعادة إحياء الود الذي ينبغي أن ينشأ في الأسرة المسلمة :
الدكتور راتب :
أنا مضطر أن أذكر قولاً قرأته في مجلة أسبوعية؛ ممثلة شهيرة في فرنسا سألوها ما شعورك وأنت على خشبة المسرح تعرضين مفاتنك على الجمهور؟ قالت: شعور الخزي والعار، وهذا شعور كل أنثى تعرض مفاتنها على الجمهور، إن الحب يجب أن يبقى بين الزوجين وفي غرف مغلقة، هذه الفطرة، هذه فطرتها تحدثت عنها، الحب كما أراده الله بين الزوجين، وفي غرف مغلقة، من دون إشاعة للفحشاء.
الأستاذ محمد:
هنا دكتور راتب دعنا نتوقف قليلاً للإشارة إلى دور التربية في بناء جيل المقاومة، استمعنا قبل قليل إلى نشرة الأخبار أن شباباً من أبناء فلسطين يقصفون اليوم أربع دبابات، وأمس تمّ تدميرها للعدو الصهيوني عن طريق فتيان، وهؤلاء الفتيان بالفعل أصبحوا يدركون تماماً وفق تربية إسلامية منهجية أن هذه الدنيا ليست نهاية العالم، وأن الآخرة هي دار القرار، وأنهم من أجل ذلك ماضون يقدمون أرواحهم وحياتهم في سبيل بناء هذه الأمة، إن العدو عندما دخل هذه الأرض كنا في الواقع فقراء بأدائنا التربوي، الآن بعد سنوات طويلة من المقاومة أنا أعتقد أن الأداء التربوي يتألق في فلسطين، وأن مزيداً من الدور الجهادي يتحقق من خلال الفتيان، كيف يمكن أن تكون التربية من الناحية المنهجية وكيف يمكن أن يكون سلوك الأسرة في بناء جيل الجهاد؟ هناك من يروج الآن ما يسمى ثقافة السلام، وهي في الواقع ثقافة الاستسلام، وثقافة السقوط الأخلاقي، أي الرقص المائع، الانحلال، الانحطاط الأخلاقي، ويعبر عنها في الغرب أنها ثقافة السلام، لأن الجيل الذي ينخرط في هذه النشاطات جيل غير راغب أصلاً في تكدر الذهن أو تكدر البال، وسيرضى بأي حال يعرض عليه، وسيكون في ذلك التفريط والضياع، لكن أنا أريد أن أسأل فعلاً ما هي مسؤولية الأسرة؟ مسؤولية الأستاذ والمعلم والمربي في إيجاد جيل جهاد وجيل عمل؟
مسؤولية الأسرة و غيرها في إيجاد جيل جهاد وجيل عمل :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن التربية أخطر شيء في حياة الأمة، إنها بالتربية تنقل قيمها ومبادئها إلى أجيالها اللاحقة، وهذه مسؤولية المعلم في الصف، ومسؤولية الأم في البيت، ومسؤولية الشيخ في المسجد، ثلاث مساحات للتربية، المدرسة والبيت والمسجد، فحينما ننقل لأجيالنا قيم آبائنا، وقيم إسلامنا، ومنهجه التفصيلي، وحينما نكون قدوة لهم، الحقيقة أن الفكر من دون قدوة تجسده لا قيمة له، ونحن إذا أردنا أن نشير بإصبع الاتهام إلى خلل في مناهجنا التربوية أننا فقدنا القدوة، والذي يفعله المثل الأعلى لا تفعله آلاف الكتب والمجلدات، كل إنسان بإمكانه أن يتكلم في المثل العليا، ولكن الذين يطبقونه في حياتهم هم قلائل، وهم لهم تأثير سحري في المجتمع، ذلك بأنهم قالوا: إن القرآن كون ناطق، وأن الكون قرآن صامت، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، فنحن لمجرد أن يكون المعلم قدوة، والأب قدوة، والشيخ في جامعه قدوة، معنى ذلك أننا حققنا الوسيلة الفعالة الكبيرة في تربية الأولاد، لأن الإنسان حينما لا يطبق ما يقول يسقط من عين المتعلم، وهذه حقيقة دقيقة جداً، أي أنت قد تذهب إلى طبيب متفوق في اختصاصه، لا يعنيك سلوكه، يعنيك علمه فقط، قد تذهب إلى مهندس بارع يعنيك اختصاصه، قد تذهب إلى آلاف العلماء الذين ينفعونك في دنياك، لا تعلق أهمية على أخلاقهم، ولا على انضباطهم، إلا أنك إذا توجهت إلى معلم أو إلى شيخ أو إلى مربٍ أو إلى أبٍ لا يمكن أن تفصل فكره عن سلوكه، وحينما يخالف الإنسان مبادئه يسقط من عين المتعلم.
مرة التقيت بعالم جليل في مصر توفاه الله عز وجل سألته: بماذا تنصح الدعاة إلى الله؟ فكنت أتوقع إجابة طويلة جداً فإذا بها كلمات، قال: ليحرص الداعية ألا يراه المدعوون على خلاف ما يدعوهم فقط وينتهي كل شيء، فأنا أدعو إلى القدوة عن طريق الأب، وعن طريق المعلم، وعن طرق الشيخ، والقدوة وحدها، بل إنني أدعو الآن إلى شيء اسمه الدعوة الصامتة، بإمكانك أن تكون أكبر داعية وأنت صامت، لأن الصدق وحده قدوة، الصدق وحده دعوة، الأمانة دعوة، الإخلاص دعوة، الزهد دعوة، فهذه القيم التي جاء بها النبي هي وحدها دعوة إلى الله عز وجل إذا تمثلناها، لذلك قالوا لما سيدنا جعفر سأله النجاشي عن رسول الله قال:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه....، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
إذاً: الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، فإذا أهملناها بقي الإسلام ثقافة، وعادات وتقاليد وفولكلور ليس غير.
الأستاذ محمد:
إذاً كما أشرتم إن أفضل وأقوى وسائل التربية إنما هي التربية بالقدوة، لا يمكننا أبداً أن ننقل إلى جيلنا التربية بمجرد الخطابات والمواعظ البليغة، المطلوب في المقام الأول هو القدوة، وأن نكون نحن قدوة صالحة، لا يملك ولن يستطيع الأب المدخن أن يكف ولده عن التدخين مهما ألقى عليه من المواعظ والنصائح، عندما يكف هو ويقلع هو عن هذه العادة سيصبح كلامه مسموعاً.
الدكتور راتب :
وحينما تكذب الأم على زوجها أمام بناتها لن تستطيع أن تلقنهم فضيلة الصدق.
الأستاذ محمد:
أيهـــــــــا الرجـــــــلُ المعلـــــــــــــمُ غيـــــــــــرَهُ هلا لنفسِكَ كان ذا التعليمُ؟
تصفُ الدواء لذي السقامِ وذي الضنى كيما يصحَّ به وأنتَ سقيـــمُ
لا تنهَ عن خلـــــــــــقٍ وتأتــــــــــي مثلـــــــــهُ عارٌ عليكَ إِذا فعْلتَ عظيـــمُ
وابدأ بنفسِكَ فانَههــــــــــا عــــــــــــــن غَيِّها فإِذا انتهتْ منه فأنتَ حكيــمُ
ونراكَ تصلـــــــــــحُ بالرشــــــــادِ عقولَنـــــــــا أبداً وأنتَ من الرشادِ عديـــمُ
***
اسمح لي دكتور راتب أن أتلقى هذا الاتصال.
سؤال :
السلام عليكم فضيلة الشيخ راتب، أدامكم علينا لصلاح هذه الأمة.
إن الكرامة التي يقلدها الإسلام للمرأة جزء لا يتجزأ من الكرامة التي قررها وأعلن عنها لبني الإنسان أجمع، وذلك عندما قال الله عز وجل:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
إذ أن الرجل والمرأة كلاهما من ولد آدم، ثم إن الإسلام أكد هذه الكرامة القائمة على أساس من الإنسانية المجردة و الكاملة بكل من الرجل والمرأة على السواء، عندما حصنها بحصن التقوى والعمل الصالح، وجعل منهما من دون غيرهما ميزان تفاوت الإنسان في العلو والمكانة عند الله، فقد ثبت بدلالة واضحة أن الإنسان مكرم بشطريه الذكر والأنثى، دون أن يكون للذكورة أو الأنوثة أي مدخل في زيادة هذا التكريم، وثبت أن الناس قد يتفاوتون بعد ذلك في هذه الكرامة التي خصهم الله بها، ولكن الباعث على هذا التفاوت شيء واحد هو تفاوتهم في تعظيم حرمات الله، ومن ثم تفاوتهم في الأعمال الصالحة المفيدة للإنسانية، وقد كان من مقتديات هذا النهج الإلهي أن يكون كل من الرجل والمرأة شريكاً للآخر في كليات الحقوق الإنسانية دون تمايز أو اختلاف في شيء من تلك الكليات، وأبرزها حق الحياة وحق الحرية وحق الأهلية وما يتبعه من الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما شرع ذلك أن يكونا شريكين في الواجبات التي تقتضيها عمارة الحياة الإنسانية، طبقاً لهذا النهج الذي رسمته شرعة الإسلام من البدء بإصلاح الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع، أي بحيث يتقاسمان بينهما جهوداً متكافئة بالخطورة والأهمية في سبيل إقامة تلك الحياة ورعايتها.
سؤالي: الله سبحانه وتعالى في سورة:
﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾
هذه تأتي بلهجة التأنيث؟ أرجو أن يكون سؤالي واضحاً، شكراً لكم.
مخاطبة الذكر هو مخاطبة للأنثى حكماً :
الدكتور راتب :
المرأة مستخلفة في بيت زوجها وفي أولادها، دائماً القرآن حينما يخاطب الذكر يخاطب الأنثى حكماً، وهذا اسمه في اللغة: التغليب، إذا خاطب الله المؤمنين يخاطب المؤمنات، فإذا قال:
﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾
أي المرأة مستخلفة من قبل الله في بيت زوجها وأولادها، وكرامة المرأة ككرامة الرجل تماماً.
الأستاذ محمد:
إذاً نعود إلى المحور الذي كنا نتحدث عنه وهو أن التربية في الواقع هي مسألة قدوة في المقام الأول، وأيضاً استخلاف الله عز وجل للإنسان، هو أيضاً وجه من وجه هذا الاستخلاف، نحن في الواقع دكتور قلنا إن الاتصالات انتهت ولكن يبدو أنها لم تتوقف وأرجو أن يكون هذا آخر اتصال
سؤال :
السلام عليكم لي قريب متزوج منذ خمس عشرة سنة وزوجته تغار عليه جداً، فتحولت الغيرة لشكوك، وعنده ستة أطفال، جرى نقاش بينه وبينها لم يجدِ نفعاً، ثم هجرها مدة سنتين بالفراش فقط، من ثلاثة أشهر حلف يميناً ليس بطلاق، يوجد أناس تدخلوا يريدون حسم الوضع بين الزوج والزوجة: قال لهم: تحرم عليّ مثلما حرمت أمي علي، الآن نريد الصلح للخير ثم تدخلنا من أجل النصح بين الزوج والزوجة، اليمين هنا لا نعرف هو ظهار أو طلاق لا أعرف؟ إذا كان ظهاراً ويوجب الصيام مدة شهرين الرجل لا يصوم إذا كان هناك فتوى.
الأستاذ محمد:
هو لا يستطيع الصوم أم لا يريد الصوم؟ أي جسمه مريض أم لا؟
السائل :
لا، هو لا يشتكي من شيء.
الأستاذ محمد:
سؤال خارج عن الموضوع ولكن.
حكم يمين الظهار :
الدكتور راتب :
هذا يمين ظهار أنت عليّ كظهر أمي، طبعاً لا بد من صيام ستين يوماً متتابعة أما إذا لم يتمكن من الصوم فهناك حكم آخر إطعام ستين مسكيناً.
الأستاذ محمد:
أي هو في الأصل كما أجاب الدكتور راتب الحكم أن عليه إعتاق رقبة، في زمننا لا يوجد رقاب، لكن يتحول الحكم إلى صيام شهرين متتابعين، وإذا كان الرجل مريضاً أو به أذى بالإمكان أن يتحول إلى إطعام ستين مسكيناً، وهذا يقبله منه الله عز وجل أداء لهذه الكفارة.
نعود لنختتم حلقة اليوم فضيلة الدكتور راتب نعم كنت قد حدثتنا عن التربية بالقدوة وأنها أعظم أشكال التربية، وفي الواقع هذا المعنى نشاهده الآن بأهلنا وإخواننا في فلسطين، في الواقع أن قادة الجهاد في فلسطين قدموا أنفسهم شهداء، وأيضاً قدموا من أبنائهم شهداء، من يستطيع أن ينسى الشهيد الكبير فادي نصر الله ابن السيد حسن نصر الله، أو الشهيد الكبير جهاد أحمد جبريل الذي قدم أيضاً روحه شهيداً من أجل فلسطين، إن سلسلة الشهداء الذين يتقدمون إلى منازل السعادة منازل الشرف والبطولة هي التي تلهم الآخرين أن يقتدوا بهم، بجهادهم.
إذاً التربية في المقام الأول كما سماها الدكتور راتب التربية الصامتة أو الدعوة الصامتة، أنت التزم بما تدعو الناس إليه، ومشهدك كملتزم هو الذي سيجعل الناس من بعدك أيضاً يلتزمون بما التزمت به، إنها إذاً التربية بالقدوة الحسنة في المقام الأول قد تكون رأس الأساليب التربوية.
الإنسان وحده من يزلزل عرش الطغاة الآن :
الدكتور راتب :
يوجد تعليق لطيف؛ أحد كبار القادة في البنتاغون قال مرة قبل أشهر تقريباً: ماذا نفعل بالصواريخ والطائرات لم نعد نحارب دولاً نحن الآن نواجه أشخاصاً؟ لذلك قال بعضهم: بدأت الحرب بالإنسان ثم انتقلت إلى الآلة - بين آلتين- كانت بين إنسانين، ثم بين آلتين، ثم بين عقلين وانتهت بالإنسان، والقوة التي يمكن أن تزلزل عروش الطغاة هي الإنسان وحده، وهذا نجده في الأرض المحتلة.
الأستاذ محمد:
إذاً هي دعوة إن شاء الله لكل أب ولكل أم ولكل أسرة أن نتنبه، وأن نتقي الله في تربية أبنائنا، الآن أيها الأخوة أصبح واضحاً في الماضي كان الناس يحجزون أبناءهم من السينما، من البار، من الكازينو، الآن أقول بمرارة أصبح في كل بيت بار، وفي كل بيت كازينو، وفي كل بيت سينما، إلا من رحم ربك، وإذا كان هذا بلاء عاماً فإن المطلوب هنا زيادة في الحرص، وزيادة في البذل، وزيادة في التضحية، وزيادة في الالتزام من الآباء حتى تنضبط هذه الآلات والوسائل، ويستقيم الناس على طاعة الله عز وجل في الإعداد والبناء التربوي.
لا أدري إذا كان الدكتور راتب يريد أن يضيف شيئاً في الدقائق الأخيرة من هذا البرنامج.
الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع :
الدكتور راتب :
أنا أعتقد أنه إذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع، لأنها اللبنة الأولى في بناء المجتمع، ولأن الأسرة حينما تنجب أولاداً، وتربيهم تربية إيمانية، لي أشرطة كثيرة جداً في تربية الأولاد في الإسلام، لي ستون شريطاً تقريباً تحدثت عن التربية الإيمانية والأخلاقية والجسمية والعلمية والاجتماعية والنفسية والجنسية والرياضية، هذا منهج كله من الكتاب والسنة، قد لا نصدق أن في هذا الإسلام العظيم منهج تفصيلي لتربية الأولاد في الإسلام، لكن هذا يحتاج إلى دراسة، وإلى بحث، أو إلى إطلاع في الحد الأدنى، فلو أن الأم ربت أولادها كما ينبغي أن يربوا لكنا في حال غير هذا الحال، وقوام الأمة أبناؤها، وهم أملها، وهم مستقبلها.
خاتمة و توديع :
الأستاذ محمد:
في نهاية هذا اللقاء نتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة العلّامة المربي الدكتور محمد راتب النابلسي، وهو الداعية المشهور الذي عرفته منابر بلاد الشام ولبنان والأردن داعياً وعالماً جليلاً.
أيها الأخوة والأحبة؛ ملتقانا إن شاء الله يوم الجمعة صباحاً من برنامج:" أسألوا أهل الذكر" للإجابة على تساؤلاتكم، وفي الأربعاء القادم من برنامج:" رسالة التجديد ".
والحمد لله رب العالمين